على عتبات ذاك الطريق القديم ... حيث كان الياسمين يتناثر في الربيع

حيث كانت الأشجار تتعرى من أوراقها شتاءً لتعود لاحتضانها صيفا

تنظر إلى شرفات المنازل التي اختفت ملامحها ... كم احتوت تلك الشرفات من ضحكات... إلى جدرانها

المهدمة ... ترثي هذه الجدران حالها ... تئنُّ شوقا لأصحابها ... لأنسام السلام التي كانت تهب عليها

سكــون ... لا صوت حتى لأوراق الأشجار المتساقطة ... لعل ذلك يُعزى لسقوطها عنوة ... حتى أوراق

الأشجار اغتُصبت حريتها

ذاك المكان .. بدى كما لم أكن أتخيله ليبدو ... آل إلى حال لا وصف لها ... لا تعبير يفيها حقها في معاجم اللغة

أصوات خطواتهم تقرع اسفلت الطريق ... أبواق السيارات مختلطة بزقزقة العصافير... مناداة البائعين

تسويقا لبضاعتهم

غدت صمتا لا يطاق ...

هنا ... في هذا المكان ... التقى حبيبان ... ضحكت طفلة ... تصدق مُحسنٌ على فقير متعب ... أخذ أب

أولاده في نزهة عائلية حميمية

ضربت مدافع الغدر المكان ... فجرت قذائف الحقد جدرانه كما فجرت ذكرياته ...

فلم يبقى حبيبان ... استشهد الحبيب و هُجِّرت الحبيبة قسريا ... يُتِّمت الطفلة واختفت ابتسامتها إلى أجل

غير مسمى ... لم يبقى محسن ليتصدق على فقير ... اصبح الجميع فقراء ينتظرو ن صدقة تنجيهم

الهلاك جوعا وبردا .. اعتُقل الأب و استشهدت الام و غدا طفل العاشرة مسؤولا عن اخوته

دموع تهطل كهطول المطر في تشرين ... تحرق المقلة كشمس الظهيرة في تموز ... أين الحياة ؟؟ .. أين

الناس؟؟؟... أين قاطني المكان و ساكنيه ؟؟

لم يبقى إلا كومة حجارة تروي قصة مكان ... قصة أحرار عشقوا الحرية .. فكانت أرواحهم ثمنا نفيسا

لها ...

مكان تمرد أصحابه على جلادهم .. فكان سوطه لهم بالمرصاد ... سوط من حديد و نار ..

رحلوا ... لكن تركوا لنا قصصهم ... بقايا جدرانهم التي اتكؤوا عليها يوما ... آثار أقدامهم التي لن تمحى

مع الأيام... حزنا دفينا يحرقنا

سنذكرهم ... سنذكر بريق عيونهم التي تشع بالأمل ... وسنقتات عليها ... علّنا نكمل مسيرتهم ... علّنا

نحقق مطلبنا و مطلبهم

استعادة ماسُلب منا منذ عقود مضت ... كَرَامَــــتُنَـــا