كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر دومًا بعين الاعتبار إلى الرؤى والأحلام التي يراها في منامه، أو يراها الصحابة؛ فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم..". وروى البخاري عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «رُؤْيَا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ».
فالرؤيا بذلك إخبارٌ صادقٌ عن الغيب، ولو ذُكِرَت تفاصيلها الدقيقة لأهل العلم فإنهم قد يستخرجون منها شيئًا مفيدًا للشخص، أو لغيره، أو للأمة؛ لذلك كان الكذب في الرؤيا أمرًا كبيرًا، وذنبًا عظيمًا، ولا ينبغي للمسلم أن ينظر له على أنه مجرَّد كذبٍ في منام غير حقيقي، فإن الكذب في الرؤيا من أعظم أنواع الكذب؛ فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَفْرَى الفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ». أي: أن يَدَّعِي أن عينه قد رأت منامًا مُعَيَّنًا وهي لم تَرَه.
وروى البخاري عَنِ ابن عباس رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ، وَلَنْ يَفْعَلَ..». أي مَنْ ادَّعى رؤية منام لم يره كان عذابه مستمرًّا يوم القيامة، حيث سيُكَلَّف بفعل شيءٍ، وهو عقد شعيرتين، ولن يستطيع، فعذابه دائم!
فلْيحرص كلٌّ منَّا على تطبيق سُنَّة الصدق في الرؤيا، ولْنحرص كذلك على عدم قصِّ رؤيانا إلا على أهل العلم، أو مَنْ نطمئن لتأويلهم، فهي في النهاية جزءٌ من النبوَّة كما ذكر رسولنا صلى الله عليه وسلم.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني